فصل: الخطبة لبركيارق ببغداد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل تاج الملك.

كان الوزير تاج الملك قد حضر مع عسكر خاتون وشهد وقعة بركيارق فلما انهزموا سار إلى قلعة يزدجرد فحبس في طريقه وحمل إلى بركيارق وهو محاصر أصبهان وكان يعرف كفايته فأجمع أن يستوزره وأصلح هو النظامية وبذل لهم مائتي ألف دينار واسترضاهم بها ونمي ذلك إلى عثمان نائب نظام الملك فوضع الغلمان الأصاغر عليه الطالبين ثأر سيدهم وأغراهم فقتلوه وقطعوه قطعا وذلك في المحرم سنة ست وثمانين ثم خرج إلى بركيارق من أصبهان وهو محاصر لها عز الملك أبو عبد الله بن الحسين بن نظام الملك وكان على خوارزم ووفد على السلطان ملك شاه قبل مقتل أبيه ثم كان ملكهما فأقام هو بأصبهان وخرج إلى بركيارق وهو يحاصرها فاستوزره وفوض إليه أمر دولته انتهى.

.الخطبة لبركيارق ببغداد.

ثم قدم بركيارق بغداد سنة ست وثمانين وطلب من المقتدي الخطبة فخطب له على منابرها ولقب ركن الدين وحمل الوزير عميد الدولة بن جهير إليه الخلع فلبسها وتوفي المقتدي وهو مقيم ببغداد.

.وفاة المقتدي ونصب المستظهر للخلافة.

ثم توفي المقتدر بأمر الله أبو القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله في منتصف محرم سنة سبع وثمانين وكان موته فجأة أحضر عنده تقليد السلطان بركيارق ليعلم عليه فقرأه ووضعه ثم قدم إليه طعام فأكل منه ثم غشي عليه فمات وحضر الوزير فجهزوا جنازته وصلى عليه ابنه أبو العباس أحمد ودفن وذلك لتسع عشرة سنة وثمانية أشهر من خلافته وكانت له قوة وهمة لولا أنه كان مغلبا وعظمت عمارة بغداد في أيامه وأظن ذلك لاستفحال دولة بني طغرلبك ولما توفي المقتدي وحضر الوزير أحضر ابنه أبا العباس أحمد الحاشية فبايعوه ولقبوه المستظهر وركب الوزير إلى بركيارق وأخذ بيعته للمستظهر ثم حضر بركيارق لثالثة من وفاته ومعه وزيره عز الملك بن نظام الملك وأخوه بهاء الملك وأمر السلطان بأرباب المناصب فجمعوا وحضر النقيبان طراد العباسي والمعمر العلوي وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني والغزالي والشاشي وغيرهم فحسبوا في العراء وبايعوا.

.أخبار تتش وانتقاضه وحروبه ومقتله.

قد ذكرنا فيما تقدم أن تتش بن السلطان ألب أرسلان استقل بملك دمشق وأعمالها وأنه وفد على السلطان ملك شاه ببغداد قبل موته وانصرف وبلغه خبر وفاته بهيت فملكها وسار إلى دمشق فجمع العساكر وزحف إلى حلب فأطاعه صاحبها قسيم الدولة أقسنقر وسار معه وكتب إلى ناعيسان صاحب أنطاكية وإلى برار صاحب الرها وحران يشير عليهما بطاعة تتش حتى يصلح حال أولاد ملك شاه فقبلوا منه وخطبوا له في بلادهم وساروا معه فحضر الرحبة وملكها في المحرم سنة ست وثمانين وخطب فيها لنفسه ثم فتح نصيبين عنوة وعاث فيها وسلمها لمحمد بن مشرف الدولة وسار يريد الموصل ولقيه الكافي فخر الدولة بن جهير وكان في جزيرة ابن عمر فاستوزره وبعث إلى إبراهيم بن مشرف الدولة مسلم بن قريش وهو يومئذ ملك الموصل يأمره بالخطبة له وتسهيل طريقه إلى بغداد فأبى من ذلك وزحف إليه تتش وهو في عشرة آلاف وأقسنقر على ميمنته وتوزران على ميسرته وإبراهيم في ستين ألفا والتقوا فانهزم إبراهيم وأخذ أسيرا وقتل جماعة من أمراء العرب صبرا وملك تاج الدولة تتش الموصل وولى عليها علي بن مشرف الدولة وفوض إليه أمر صفية عمة تتش وبعث إلى بغداد يطلب مساعدة كوهرابين الشحنة فجاء العذر بانتظار الرسل من العسكر فسار إلى ديار بكر وملكها ثم إلى أذربيجان وبلغ خبره إلى بركيارق وقد استولى على همذان والري فسار لمدافعته فلما التقى العسكران جنح أقسنقر إلى بركيارق وفاوض توران في ذلك وأنهما إنما اتبعا تتش حتى يظهر أمر أولاد ملكشاه فوافقه على ذلك وسارا معا إلى بركيارق فانهزم تتش وعاد إلى دمشق واستفحل بركيارق وجاءه كوهرابين يعتذر من مساعدته لتتش في الخطبة فلم يقبله وعزله وولى الأمير نكبرد شحنة بغداد مكانه ثم خطب لبركيارق ببغداد كما قدمناه ومات المقتدي ونصب المستظهر ولما عاد تتش من أذربيجان إلى الشام جمع العساكر وسار إلى حلب لقتال أقسنقر بعث بركيارق كربوقا الذي صار أمير الموصل مددا لأقسنقر ولقيهم تتش قريبا من حلب فهزمهم وأسر أقسنقر فقتله صبرا ولحق توران وكربوقا بحلب وحاصرهما تتش فملكها وأخذهما أسيرين وبعث إلى حران والرها في الطاعة وكانتا لتوران فامتنعوا فبعث برأسه إليهم وأطاعوه وحبس كربوق في حمص إلى أن أطاعه رضوان بعد قتل أبيه تتش ثم سار تتش إلى الجزيرة فملكها ثم ديار بكر ثم خلاط وأرمينية ثم أذربيجان ثم سار إلى همذان فملكها وكان بها فخر الدولة نظام الملك سار من حران لخدمة بركيارق فلقيه الأمير تاج من عسكر محمود بن ملكشاه بأصبهان فنهب ماله ونجا بنفسه إلى همذان وصادف بها تتش وشفع فيه باغسيان وأشار بوزارته فاستوزره وأرسل إلى بغداد يطلب الخطبة من المستظهر وبعث يوسف بن أبق التركماني شحنته إلى بغداد في جمع من التركمان فمنع من دخولها وكان بركيارق قد سار إلى نصيبين وعبر دجلة فوق الموصل إلى أربل ثم إلى بلد سرخاب بن بدر حتى إذا كان بينه وبين عمه تسعة فراسخ وهو في ألف رجل وعمه في خمسين ألفا فبيته بعض الأمراء من عسكر عمه فانهزم إلى أصبهان وبها محمود ابن أخيه وقد ماتت أمه تركمان خاتون فأدخله أمراء محمود واحتاطوا عليه ثم مات محمود سلخ شوال من سنة سبع وثمانين واستولى بركيارق على الأمر وقصده مؤيد الملك بن نظام الملك فاستوزره في ذي الحجة واستمال الأمراء فرجعوا إليه وكثر جمعه وكان تتش بعد هزيمة بركيارق قد اختلف عليه الأمراء وراسل أمراء أصبهان يدعوهم إلى طاعته فواعدوه انتظار بركيارق وكان قد أصابه الجدري فلما أبل نبذوا إليه عهده وساروا مع بركيارق من أصبهان وأقبلت إليهم العساكر من كل مكان وانتهوا إلى ثلاثين ألفا والتقوا قريبا من الري فانهزم تتش وقتله بعض أصحاب أقسنقر وكان قد حبس وزيره فخر الملك بن نظام الملك فأطلق ذلك اليوم واستفحل أمر بركيارق وخطب له ببغداد.